pregnancy

ولدتُ لأكون ضابط شرطَة - قصة قصيرة


وقعت أحداث هذه القصة وكتبت في 2009 , وقد وقعت كل أحداث هذه القصة !

طارق عميرة


ولدت لأكون ضابط شرطَة , هذهِ هي الحقيقة التي تتبدّى أمام عينيّ الآن , فكما يولد إبن الفلاح فلاحًا ويتبدّى طبعه الريفيّ في أية وظيفة , فمن يعرفني ويعرف أسرتي يعرف أنني لم أكن لأكون إلا ضابط شرطة أو وكيل نيابة أو مستشارًا في مجلس الدولة أو حتّى ملحق دبلوماسي بإحدى سفاراتنا بالخارج .

المجرمون السفلَة , لا بد من وجود من يربيّهم ويعاقبهم ويعلمّهم كيف يحترمون الآخرين , هذا هو المفترضُ لوظيفتِي في هيئة العامّة , المفترض لهَا من الداخِل أن أتقن فنون القتال اليدوي وأحفظ القانون وأتعلم إطلاق النار و تدبير الخطط , والأهم من ذلك هو الموهبة , موهبة أن تكون رجل شرطة قادر على إقتناص المجرمين , والحقيقة أنهم يدربوننا جميعًا على هذهِ الموهبَة , بالضبط كما يدربون طلبة الأزهر على فك طلاسم اللغة العربية .
بحاسة رجل الأمن لدي , صارَ هناك يقين أن كل الناس مجرمون وإنما نترك الجميع لأن الله يسترهم ولا نأسر إلا من يوقعهُ حظه العاثر في طريقنَا , ما أسهل السرقات في عصرنا , جدْ لي ذلك الشاب الذي لم يغرر بفتاة بعد وذلك الموظف الحكومي الذي لم يرتش بعد, غنىً عن العاملين في القطاع الخاص اللذي سيطرت عليه سياسات غربية يرتكب أتباعها كل ما يخالف العادات وقوانين الآداب والتجارة والعاطلين اللذين صار أكثرهم لا يكفون عن شرب المخدرات .
أجمَل ما في الأمر أنني ما زلت شابًا , رغم أن هذا يحد الكثير من صلاحياتي ولكنه لا يمنع من وجود دائرة بأكملها يتجاوز سكانها النصف مليون نسمة هي مسئوليتي الأمنية , هكذا سأبدأ وكأي ضابط شرطة يعرف قواعد اللعبة سأنتقل من مكتب لآخر مع تزايد عدد النجوم وظهور النسر , ومع كل مكتب تتسع دائرة اللذين أنا مسئول عن أمنهم , و أنا لأ أكترث لهم كثيرًا في الحقيقة فهم جميعًا يستحقون الإعدام , ورغم هذا أضطر للتجاوب معهم والحل في نزاعاتهم والتحقيق في قضاياهم .
هبطت ذات مرّة في سيّارة الشرطة أتفقّد الأمان , بالخلف إثنين من أمناء الشرطة وإثنين من العسكر يحملون مدافعًا رشاشّة , في الشارع الأهم بمنطقتي حيثُ متجرٌ صغير للبقول على جانب الطريق , لمحتُهَا سائرَة , كانت رائعة الجمال , رغم الليل إلا أن أعمدة الإنارة أظهرت بوضوح وجههَا الأبيض المتورّد وعينيها الرصاصيتين والتي تنطق بحسنٍ لا حدّ لهُ , قدرّت أن هذهِ عدسَات , ولكننّي لم أتوقف لدى وجهها كثيرًا وأنا أتأمل عودهَا الفارع الذي يضجّ بالأنوثة المغطاة بإحتشام غير قادر على خداعِي .
أشرت للسائق أن يتوقف , مجنّد بكر مدبولي أحد آلات الجيش التي تطيع بلا هوادة , نظرت إلى الخلف وأشرت للأمناء جهة الفتاة وأعدت بصري إليهَا بعدْ أن توقفنَا بالقرب منهَا تمامًا , قلت بصوت خفيض :
-          البت دي مطلوبة , أنا عارف صورتها كويس .
تابع أحد الأمناء وهو يهبطْ ويتوجّه إليهَا :
-          الباشا عايزك .
-          باشا مين ؟
أراه يشير إليّ واسمعهَا تقول :
-          عايزني في إيه ؟ ما ينزل ويجيلي .
إلتفت الأمين إلي وكان الغضبُ قد إرتسمَ على وجهِي , ودون أن أحادثه كان يجذبهَا من يدهَا في شدّة وهو يصرخ فيها :
-          كلمي الباشا يا بت .
تصيبها هيستيريا وتغمغم بكلام غير مترابط وغير مفهوم عن عدم قانونيّة ما نفعله !
تعجبّت من جرأتهَا كثيرًا , والحقيقة أنّها كلفت رجالي كثيرًا من العنف والصرّاخ وأصابت نفسهَا بفضيحة حيث كان المارّة جميعًا يرون ما نفعله , وفي النهاية ركبَت بعد أن تلقت عددًا لا بأس منه الصفعات والسباب الذي نال كل شيء فيها .
أمرت السائق بالدوران والعودة إلى القسم , حيث عثرنَا على هذا الصيد الثمين , سيفرح القادة كثيرًا بالتأكيد , كنت مغتاظًا لأنني أضطر للكذب والتظاهر أمامهم , هذا السائق الصعيدي يتظاهر بالشرف وأنا أعذبه عذابًا شديدًا في العمل ولكنه يتحملّه بجلدٍ عجيب .
وصلنا إلى القسم الذي به مكتبي , كان اليل قد شارف على الإنتصاف , أمرت الرجال بإحضارهَا إلى غرفتي , قاومت فجروّها جرًا حتى وصلت إليّ وقد أزيل حجابهَا تمامًا و تمزق جزء من ذراع عباءتها , أوقفوها على الحائط المقابل لمكتبي , أمرت الجميع بالإتصراف بإستثناء حسين , أمين الشرطة الذي أثق به تمامًا ويشاركني في جميع المصالح كما أعتمد عليه كرجلي الميداني الأول .
تقول الفتاة في لهجةٍ أقرب إلى الضراعَة :
-          قولي أنا عملت إيه ؟ ليه الافترا ده ؟
-          افترا ؟
أهتف بهَا مستنكرًا فيصفعهَا حسين :
-          كلمي الباشا عدل يا بت .
-          باشا عليك يا ابن الكل..ب .
يصفعهَا حسين مرةً أخرَى فأشير لهُ أن يكفّ عن ذلك وإلا سيفسدهَا تمامًا , نريد أن نرى جمالها كما هو , لماذا لم تسقط عدساتها مع كل هذه الصفعات ؟
أسألهَا بعد هنيهة صمت أثق فيهَا بأن عقلها يدور في كيفية الخلاص مع الحفاظ على كرامتها :
-          معاكي بطاقة ؟
-          لأ !
-          إزاي يعني ؟
-          زي الناس , نازلة اشتري حاجه وطالعه , ليه عملتوا كدا ؟ مش المفروض انتوا اللي بتحمونا ؟
أضغط على أعصابي وأنا أتجاهل حديثهَا , بالتأكيد ولكننا نستحق ما هو أكثر من الحديث , نحن أيضًا بشر نحب ونرغب ونتمنى الثراء والجمال والجاه والنفوذ , ألا تقدر هي ما أفعله من خدمات لهذه الأرض ؟ ألا يكفي أن الآلاف مثلها يسيرون مطمئنين ؟ ألا أستحق أن أحظى بفتاة جميلة مثلهَا كمكافأة أم أنّها أشرف أهل الأرض وأنا الذي أخطأت الإختيار ؟ لا شيء هنا يسير بغير إرادتي , أنا سيد هذا المكان .
قلت لها بعد هنيهة صمت :
-          إسمك إيه ؟
-          ياسمين !
-          مع إن شكلك مش مدي على ياسمين خالص .
تهم بقول شيءٍ ما ولكنها تصمت متطلعةً إلى حسين الذي يقف وعلى وجههِ ترتسم إبتسامة ساخرَة , تدهشني رباطة جأشه في هذهِ المواقف وفي المواجهَات , حتّى التي أهابهَا شخصيًا , هناك أحياء بأكملها تحتاج إلى فرق جيش لتطهيرها .
ما ذنبي أنا إذ لم أعين في أحد سجون النساء , حيث لا يكف الضباط هناك عن الإستمتاع بشتى أنواع الفتيات اللاتي أتحن لهنّ .
ورغم أن هذا يعد جريمة , ولكننا نحن محاربوا الجريمة , هي عندنا عادات , سلطات لم يحفظها لنا القانون , أن نعاشر من نشاء , تمامًا كما لم يحفظ لنَا حقوقنًا في إطلاق النار على المجرمين العزّل , لهذا يضطر معظمنَا إلى حمل سلاح غير مرخّص يستخدمه متَى شاء ويبحث عن جانٍ يصنع له المحضر بنفسِِه , أنا شخصيًا أحتفظ بمسدسي غير المرخص في شرابي المتين أسفل ساقي اليسرى ولا يظهره بنطالي الفضفاض .
-          إقعدي يا ياسمين .
أشرت إليهَا فصدمتني إجابتها الوقحَة :
-          انتوا شوية معقدين , ممكن تعرفني تهمتي ايه أو تخرجني من هنا ؟
-          إنتي قليلة الأدب !
يهم حسين بالتحرك ولكنني أنظر إليه في ثبات فيقف بلا حركة , أنهض من على مقعدي , أقول وأنا أمد يدي ملامسًا وجهها :
-          بس برضه ده مش هيفيـ...
تمسك بيدي إلى الأسفل في عنف , ينتابني الجنون فأصفعهَا بنفسي هذه المرة , يقفز حسين عليهَا ويجذب ذراعيها ليثبتهمَا إلى الخلف ليمنعها من المقاومة , بصقت على وجهِي فأفلتت البصقة وإلتصقت بنجوم رتبتي على كتفي , زادني هذا جنونًا ولكنني كبحتهُ وأنا أتأمل جمالها الذي أنطقه الحزن والألم , كان الإعياء قد بدأ يظهر على وجههَا وهي لا تستطيع التملص , تصرخ ويتناثر اللعاب من فمهَا , تسيل الدموع من عينيهَا , كم هي فاتنَة .
أنظر إليها مليًا ثم أمسك بصدر عباءتهَا الذي يداري نهودًا هي أكثر ما جذبنِي إليهَا تتبدّل الدموع في عينيهَا إلى نظرة فزع كبيرة , تتحوّل إلى طاقة هائلة ,  تتمرّد وأنا أشق العباءة بلا رحمَة , أعرف ذراعي حسين الفولاذيتين جيدًا , كان يقيد رجلاً ضخمًا ذات مرة أخاف كل من رآه داخل القسم , كانا أروع مما تخيلت , حسين  يقف صارمًا حتى تنهار مقاومتها وتدرك أنه لا جدوى ويداي تعبثَان بقسوة وتتحسسان جسدهَا بعنف .
حين جاست يدي في الأسفل , كانت تبكي بحرقة وهي تقول :
-          ارجوكم , عايزين ايه , هديكم اي حاجه بس بلاش كدا .
سمعت جملتهَا فأكملت العبث قليلاً قبل أن أحس بالنفور , رغم هذا كنت راضيًا , هذا الجسد الشهي صار يحمل بصمتي , إبتعدت وأنا أصفعها في أجزاء من جسدهَا محققًا أقصى نشوةٍ يمكنني الوصول إليهَا , تطلعت إليها في رضا وأنا ألمح الإنكسار الذي يطل من عينيهَا , أرخى حسين ذراعيه ومدهما أمامها وهو يعبث بمهارة متظاهرًا  بإعادته الثياب إلى جسدها .
قلتُ له وأنا اشعل سيجارة ميريت غير ناظرٍ إليهمَا :
-          وديهَا عند باب بيتها ! ومش محتاجه كلام ..
يركلها قائلاً : يله يا بت , سارت معه حتى إختفوا عن بصري ,  شغلت التلفزيون وجلست أشاهد فيلمًا طريفًا لإسماعيل يا سين , فنانوا هذا الزمن سفلة أو أوغاد أو أدعياء !
أشرقت الشمس أخيرًا وأتى زميلي , سلمته المكتب ومضيت , كنت بحاجة كبيرة إلى النوم , وعندمَا إستيقظت في المساء كانت الإتصالات تنهال علي , ما الذي فعلته ؟ أصحيح أنك إغتصبت فتاة ؟ هل أتيت بها من الشارع أمام عيون المارة ؟
هؤلاء الحمقى , ألا يفهمون ؟ إنهم جميعًا مثلي فلماذا يمثلون هذا الدور حتّى النهاية ..
من هي هذه الفتاة ؟ هل تعرفها ؟ هل كانت مجرمة فعلا ؟ هل تعلم أنها تقدمت ببلاغ لوزير الداخلية والنائب العام بشأنك ..
شحب وجهي عند هذه الجملة الأخيرة وأنهيت الإتصال , تداركت عقلي و إخترت أحد الأسماء على هاتفي وإتصلت به :
-          آلو
-          آلو
-          ايوة يا فندم , انا واقع في ورطة كبيرة .
-          انا عرفت اللي انتا هببته وده ينفع برضه ؟ تيجي منك إنتا ؟
تحدثت معهُ حوالي أربعة دقائق , ذهبت إلى القسم وقابلت إستهجان من أعرفهم بالقول أنها عاهرة و جميعنَا يعادين العاهرات , بعد ربع ساعة كنت أخرج من باب القسم وبيدي حقيبة بها اشياء صغيرة , لمحت الأمين حسين في الحديقة يحادث زميلاً له فاقتربت منهمَا , سمعت حسين يقول لصديقه :
-     الباشا ده واصل قوي , تخيل إنه إتنقل , وفين في مكتب المديرية ذات نفسه , يعني دلوقتي بقى ماسك المحافظة كلها , كل ده عشان اتقدم فيه بلاغ للنائب العام .
-          يرتاح من هنا و وش هنا .
إنتبها لي وأنا أصافحهما , لم نتبادل عبارة واحدة , فقط نظرَات , جاءت سيارة شرطة فخمة لتقلني إلى المكتب الجديد , ألمْ أقل لك أنني ولدت لأكون ضابط شرطة !
شكرا لتعليقك