من قصص المجموعة القصصية ناثر البخور صدرت طبعتها الأولى في 2009
طارق عميرة
tarekpen2000@gmail.com
كنّا نسيرُ على الطريق المجاور لنهر النيل بامتدادِه , نخطو خطواتٍ متباطئة
محاولينَ الاستمتاعَ بنسماتِ الهواء التي خفّفت المياه المجاورة من وطأتها ,
السيّارات تعبُر بسرعةٍ رهيبَة مِن هنَا ولا يكادُ الطريق يخلو لمارٍ حتّى يعبُرَه
, كنّا نسيرُ متجاورين لهذا كانَت نظراتُنَا للأمام , شعرتُ بهَا تنظُر إليّ أكثرَ
مِن مرّة وضبطتني هيَ ايضًا أتطلّع في وجههَا , قالت :
- من الأفضل أن تنتبهَ إلى الطريق , السرعةُ جنونيّة هنَا .
قلت :
- أنَا منتبه!
سادَ الصمتُ للحظاتِ ونحنُ نتابعُ سيرنَا , كانَ بعض السائقين الشبّاب يلقي
بجملةٍ مّا بصوتٍ عال وهو عابر على غرار , عندك حق ! , ماشية معاك فل , اشياء من
هذَا القبيل غيرَ بعضِ السباب والكثير من " أحرقكم الله ملأتم البلد ! "
, ولكنّنَا لم نعرهَا اي اهتمام , لم تعد الناس قابلة للتمييز فقدْ صارَ كل شيء خطأ
وكل صحيح مشكوكٌ فيه , هذهِ قاعدةُ عامّة هذهِ الأيّام وأي شخصٍ ستُقابلهُ سيقسم
لكَ أنّه هو الصائب ويسب في اللصوص والصامتين والداعرين ومَن باعوا البلاد , قطعتْ
الصمتَ قائلةََ :
- هل يبكِي الرجَال ؟
لم استطع منعَ نفسِي من التعجّب لسؤالهَا , قلت :
- ولمَ هذَا السؤال ؟
قالت :
- لا شيء , هوَ مجرّد خاطِر , النساء تبكي كثيرًا وربّمَا يكونُ هذَا أحد
عوامِل إعجابِ الرجل ! , فهم يمزجون البكاء بالرقّة دائمًا , ولكنّ الرجال يعتبرون
الرجلُ الذي يبكي ضعيف الشخصيّة أو غيرِ كامل الرجولة , يقولون له بالنّص : أنت
رجل , كيفَ تبكِي ؟
كانَ حديثهَا منطقيًا , قلت :
- بالتأكيد , الرجلُ الحقّ لا يبكي .
قالت :
- عمر بن الخطّاب كان له خطّان أسودان في وجهه من كثرةِ البكاء كما يقَال ,
ولا يختلفُ اثنَان على شخصيته !
قلت :
- أتكلّم عن البكاء من أجل الدنيَا , أشخاصٌ نفقدهم , أشياءٌ نفقدهَا ,
هكذَا , أمّا الرجل الحقيقي فلا وقتَ لديهِ للبكاء , البكاء يضيع الكثير من الوقت
ويزيد من حساسية المشاعِر والعواطف وهذا سيؤثّر سلبًا على حياةِ الرجلِ الواقعيّة
, في الحقيقة , الرجل الحقيقي لا يبكِي .
ابتسمَت أخيرًا وبدَا عليهَا الاقتناع وهي تقُول :
- حسنًا
أكملنَا سيرنَا , هناكَ شيءٌ غيرُ طبيعيّ , هيَ ليسَت بحالهَا الطبيعيّة ,
ضبطتها تتطلّع إليّ , كانَت عينيهَا تخفيانِ الكثير , ليسَت هذهِ نظراتُ حب ,
هنَاك شيء ما تخفيه , قلت :
- ما الّذي تودّين قولَه ؟
قالت على الفور :
- لا شيء .
أمسكت بيدهَا وأوقفتهَا , نظرتُ بعينيهَا طويلاً , واجهتني للحظَات ثم أطرقَت ببصرها , قالت :
- حسنًا , هنَاك شخصٌ تقدّم للزواجِ بي , شخصٌ لا أستطيعُ رفضه .
قلت :
- مرّة اخرَى ؟ , وعدتُكِ بعامٍ فقَط ولم يتبقَ منهُ إلا شهورٌ خمسَة ,
فلمَ العجلَة , ولماذَا تصرّين على استفزازي؟
قالَت :
- أتحدّث جدًا , هذهِ المرّة لا أستطيع الرفض , لا يوجد عيبٌ يمكنني أن
أواجِه اهلي به , سيكونُ رفضِي فجًا .
قلتُ وقد بدأ الشعر على رأسي ينتصب :
- وما معنَى هذَا ؟
قالت وهي تشيحُ بوجهِهَا :
- هوَ ما فهمت .
لم استطع تمالك نفسِي , كدتُ اصفعهَا بشدّة , لا ادري لماذَا ولكنّني شعرت
بغلٍ للحظَات , بعدَ كلّ هذَا تخبرنِي ببسَاطَة أنّ هناكُ عريسٌ وأنّهَا لا تستطيع
رفضه , لم ألحظْ الدموع التي تسيل على وجنتيّ إلا عندمَا قالَت :
- قلتَ أنّ الرجَال لا يبكون .
غلبنِي القهر والكمَد فسالت الدمعةُ تلوَ الاخرى حتى شعرتُ بأنّني أغرق
وسطَ دموعِي , قلتَ لهَا وصوتُ صرير إطارات سيّارة يكادُ يمزّقُ أذنيّ :
- بل إنّهم يبكُون , وبدموعٍ من دمٍ أحيانًا !
- تمت -
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء