pregnancy

قراءة في امرأة بطعمِ التوت


طفولة القلب مختلطة بعجز الروح مع شباب الجسد هي باختصار مخل امرأة بطعم التوت - اسم مناسبٌ جدًا وغلاف رائع ..
ريم عبد الجواد بطلة رواية امرأة بطعم التوت للكاتبة حلا المطري , البطلة المعذبة بحثًا عن حريتها وأنوثتها في صفحات الرواية
بأسلوب روائي شديد الجرأة والإتقان تفاجئنا الكاتبة بتقنية بارعة في الانتقال بالأحداث بين أمريكا ومصر و دولة عربية قضت بها البطلة طفولتها .
تحكي الكاتبة قصة واقعية تحدث كثيرًا بأشكال وصورٍ مختلفة لكنها ترصد صورة صارخة من هذا التشتت والتغيير الذي أصاب ريم في البحث عن حريتها هي ابنة عبد الجواد الرجل المتدين الذي يعتبر الأغاني والاختلاط حرام ويحثها على الصلاة دائمًا ..
ريم التي نشأت في الاسرة المحافظة , لكن أخطاءها الصغيرة كانت قاتلة لأنوثتها وانسانيتها بحساسيتها المفرطة مع كل ما تفرضه على نفسها من قيود لم تفلح نفسها في الرضوخ لها .
ريم التي تبتعد عن نفسها وتهرب من بيتها لتئول إلى أحضان روبرت في أمريكا ليظل ضميرهَا مسلطًا عليها شاعرة بالاثم لا تستطيع خلاصًا هي التي كانت تشعر انها تسمع أصوات التسابيح والملائكة قديمًا , لم يغادرها الشعور بالذنب منذ القبلة الأولى ..
تقول ريم في اقتباس من صفحتي 23,24 :
" وقبلت الوسادة , كنت أفعل هذا وأدري أن الله يلعنني ويمقتني لفعلتي الكريهة , نعم كنت أدري أنه يراني من سبع سماوات , يشفق لحالي ويملأ دفتري الصغير بالسيئات , كنت دوما ما أشبه سيئاتي بعلامات اكس كبيرة سوداء وعلى يمين كل صفحة علامات صح قليلة أعدّها على أصابعي , لكنني أحببت الله , احببته دون أن اراه ! وفي كل ركعة ركعها جسدي الصغير كنت أرجوه أن يسامحني.."
 من صفحة 29,30 :
" من أي الأبواب آتيك يا الله ؟ أدري أن دفتري عندك قد أنهكه الاثم , أتخيله الان أسود لا خير فيه , أتخيل ملائكة الحساب تخجل من إيصالك أخباري : اليوم ريم مارست الجنس مع روب , اليوم ريم فتنت خمسين شخصا لدى نزولها من البيت , اليوم ريم احتست كأس نبيذ , اليوم ريم لم تصل الخمس , وفي آخر المساء عادت لأحضان روب أيضًا "
الحقيقة أن الاقتباسات من الرواية إذا كانت لروعة اللغة فسأقتبس الرواية بالكامل , الرواية لغويًا وأسلوبًا تحفة راقية وتسلط الضوء بشدة على أسر كاملة تعيش تحت قيود أبوية قاهرة حتى وإن كان الحب مظلة تجمع الأسرة , فلكل إنسان رغبات وآمال و أحلام تختلف عن الآخر .
رغم تعرض الرواية للعلاقات الجنسية للبطلة وبداية معرفتها به من منظور شديد التحفظ فإن براعة اللغة والأسلوب في التوصيف رفعت الحرج مع حساسية وخطورة القضية التي تتعامل معها الرواية في هذا المجتمع , يمكن القول أن هذه المشاهد مكتوبة بعناية ووضوح , وذكاء وصبرٍ تظهر عظم موهبة الكاتبة في نقل المشاهد  ببراعة ورقيّ يعجز عنها الكثيرون ممن لا يجدون حرجًا في كتابة مشهد جنسي كامل التفاصيل التي لا أهمية لها ..
اقتباس من صفحة 58 :
" يحتل جسدي , ثم يترك لي زمام الأمور بعدها , أحيانًا أظل حائرة حين يدع نفسهُ لي كورقةٍ جرداء في انتظار فرشاتي , يضحك لبعثرتي بل إنها تزيده نشوة وإذا بزمام الأمور تعود ليديه مجددا , حلبة مصارعة بلا نتائج لخاسر أو فائز.. أمواج كاريبية ..ثم إعصار بنفحة كاترينا , إلى أن نهوي معًا نحو قاع التعب فنشبه معًا خط استواء "
تحمل الرواية بعض آراء البطلة وأفكارها , تستمع بقراءتها وأن تغوص في عقل البطلة وتقترب أكثر من فهم الشخصية المرسومة داخلها , اقتباس من صفحة 63 :
" ويحدث أحيانًا ان لا تكون الغربة .. غربة اوطان فقط , وألا يكون يتمنَا يتمًا لموتِ أحدهم فعليًا ! , قد تكون غربتك ويتمك مرتبطين ارتباطًا كليًا , بظلّ أحدهم , برائحته , بخطوط كفيه , حتى إذا اختفى أدركت كم أنت مغترب في قلب موطنك "
وعلى الرغم من هروب البطلة والعيش بحرية إلا انها لم ترتح ابدًا , تشعر أن هناك شيئًا ناقصًا , وترفض من داخلها ما تعيشه لكنها لا تقوى على مقاومة واقعها , اقتباس من صفحة 101 :
" عندي كلب هاكسي بعينين زرقاوين , وإني سميته رعد , لا أظن أن أمي ستسمح لي باقتناء واحد , لكنها طيبة فتعال نتحايل عليها نحن الثلاثة , آخ نسيت أن ابي يكره الكلاب لأنها نجسة وتنقض الوضوء , لا عليكما , سنبني للكلب بيتًا فوق السطح , لكل مشكلة حل عندي فافتح لي الباب أو اتركه مواربًا , سآتي بجميع حقائبي إليكم , سأقطف من عمري زهورًا لأرميها تحت أرجلكم , لو فقط تتركون لي الباب مواربًا فما بيننا عظيم "
ضمن ما تواجهه الأنثى وتعرض له الرواية قضية الختان أيضًا , حيث تذهب البطلة ريم لزيارة ابنة صديقةٍ لوالدها أعلنت العصيان , يدور بينهما حوار اقتبس جزءًا منه من صفحة 144 :
" واستلقت على سريرها تطالع السقف , ظننتها لن تتحدث إلى أن قالت :
- اجرى لي والدي الأسبوع الماضي عملية الختان , يظنني كائنة جنسية ..
تضحك بقهرٍ ثم تقول : 
- بتروا جزءًا من عضوي خلقهُ الله لي باسم الدين , يظنونني عشقته جنسيًا ايضًا , أتعلمين كم أنا غاضبةٌ من الله "
تنقل بعض المشاهد صراحةً كيف كان الكبت في بيتها , وكيف حدثت اول مشادة وتوبيخ قاهرٍ لها أثناء مشاهدة فيلم على قناة ام بي سي تو ..
على جانب آخر تكشف الرواية حقيقة واضحة في معظم الرجال لا يعاقبون على الجنس في مجتمعاتهم كالفتاة بل كثيرًا ما يؤدون بها لهذا الطريق ويدفعونها إليه دفعًا , الرجال اللذين لم يكفوا عن محاولات الاغواء , اللذين بحثوا عن شيء واحدٍ فيها دون اهتمام بمشاعرها أو انسانيتها ولا يعاقبون على شيء رغم أنهم يستحقون الحرق , سبب كل ألم بها كان رجل تعرف أنها لن تشغل تفكيره كثيرًا بعد أن سئمهَا أو مل من الوصول أو وصل إلى هدفه , من خلال تعرضها لنماذج حية واقعية من الشباب والرجال تجد منهم في دائرة معارفنا جميعًا 
لا ترتاح ريم المحملة بحنين الطفولة والرغبة في الحرية والحياة والاختيار وتسأم وضعها مع روبرت الذي تهجره برسالة قصيرة بليغة وتكمل سيرها في طريقها حية بداخلها روح عجوز أنهكها الحنين و التعب و رفض الآثام , تطالعنا شخصيتا آلاء وياسر المرسومتان بقوة لتكملا الرواية مع البطلة التي تظل مشتتة حتى تتغير حياتهَا في النهاية ..
الرواية رائعة والقاريء النهم حقًا سيقرأها أكثر من مرة ويستمتع بها وهذه قراءة متواضعة كتمت بعض آرائي فيها ايضًا تاركًا للقراء والنقاد اكتشاف النص ..
شكرا لتعليقك