pregnancy

محلة مرحوم - الأولى - رواية

نشرت 20 حلقة من قبل على موقع (آخر كتاب) , يعاد نشرها ويضاف اليها
1
طارق عميرة 


في خطوات بطيئَة يسير طلعت في الشارع الضيق المتلوي الذي لا يزيد عرضه عن مترين ويتكون من منحنيات عشوائية كثيرة بامتداد الشارع , ورغم كثرة المنحنيات وبطء خطواته إلا انه ترك قدميه تقُودانه إلى نهايته , حيث الصحبَة المنتظرَة .

تسمي الحكومة هذا الشارع بالقادسية , وهو لا يعرف سبب هذا الاسم او صلته بالموقعة الاسلامية الشهيرة , يصر كمعظم الأهالي والمارة على تسمية هذا الزقاق بالثعبان للشبه البالغ بين منحنياتهما ..
سبب بطء خطوتهِ هو السيجارة الملفوفة في فمه , مع كل نفس يشده يزداد احمرار عينيه ولكنّه لا يعبأ , حتى مع مرأى الجامع الأثري في نهاية الزقاق والذي يطوي تاريخ أمم مضت منذ فجر دين الاسلام وما زال قابعًا على تلة عالية ميزها أهل القرية باسم " العلواية "بينما سموا المسجد نفسه مسجد المدرسة .

لم يكن الجامع يحوي رادعًا بل لقد اعتاد منذ الصغر أن يجتمع بأصدقاءه على المقهى أسفل المسجد , دائمًا كان المصلين يدخلون من باب المسجد بينما يجلس هو يشد أنفاس المعسل أمام الباب , لكن في هذه المرّة كانت بانتظاره مفاجأة ..

لم يكن عماد صديقه ينتظره كما قال له بعد أن أنهى عمله في مصنع الحرير الذي يملكه , ولم يكن السيد بعد ان وضع عربته التوكتوك في الجراج , كانت سيارتان كحليتان طراز نصف نقل ذات مظلة وأمامها يتناثر مجموعة من الرجال بأزياء كلاسيكية , رآهم فعرف أنهم صادوه ورأوه فعرفوا أنهم وجدوا غنيمتهُم ..

أقبلوا عليه هاشين محيطين , سأله أحدهم وهو بشارب وقد رآهم جميعًا بشواربٍ مختلفة الأحجام :

- ايه اللي في ايدك ده ؟

يناوله طلعَت سيجارة الحشيش في صمت دون أن يفتح فمه , هو يعلم ان اي كلمة لن تفيد , أي كلمة بصوته الذي خشنته اصناف البرشام وطريقته الخشنة التي اعتادها في التعامل ووجدها تؤتي ثمارًا جيدة مع الضعفاء والفتيات والمراهقين , هذا لن يفلح الآن وهو خير من يعرف ذلك ..

بطريقة عنيفة جذبه الرجال ناحية البوكس, ولم يعطوه فرصة للحديث بينما عقب أحدهم :

- فتشوه كويس قبل ما يركب اكيد معاه غيرها .

يعرف طلعت أنه لو تحدث بصوته وطريقته فسينال ضربًا كثيرًا على قفاه , لهذا قال بنبرة من النادر أن تسمعها منه ولو سمعتها لأذللته بها بقية حياته :

- يا باشا دي كانت سيجارة مالغلب , والله ما معايا غيرها , انا مش هشرب تاني ..

- لا يا روح امك كله بيقول كدا , هي جت عليك , سبني اشوف شغلي وما تتعبنيش ..

بينما تعبث شتى الأيادي بجيوب طلعت وجسده تترقرق عينيه بدموع يحبسه عندما يرى الأمين الذي يحدثه وقد أشاح بوجهه عنه , يقول لمن يفتشونه راجيًا :

- أنا متجوز وعندي عيل ومحدش بيصرف عليهم الا انا , والله يا باشا مش هتشوفني بشرب تاني .

كاد الجميع يتجاهلونه لولا أن همس أحد الأمناء في أذنه :

- ما تقلقش مش هنعملك قضية بالسيجارتين , لو ما طلعش عليك حكم هتروح تنام في بيتكم النهارده .

هكذا سلم طلعت أمره وجلس داخل البوكس مستسلما بعد أن فتشوه وأخذوا بطاقته , لم يتصل بأحد فهاتفه بلا رصيد , دعك من أنه يعرف جيدا أنه ليس مهما لأحد ليهب لنجدته , حتى زوجته سناء لولا وجود الطفل والجنيهات القليلة التي يلقي بها اليها ما بقيت , تفكر في هذا مع بعض العنف الذي يمارسه معها من حين لآخر معتقدا بهذا رجولته ..

في حسرةٍ وفي جلسته تلك داخل البوكس , للمرة الأولى منذ خمسة أعوام , اكتشف أن سنَاء تحملت الكثير جدًا ..

***
يتبع
شكرا لتعليقك