pregnancy

الخنزير - قصة

طارق عميرة

قالَ بأنّ الشيعةَ كفرَة ودعَا عليهم بالهلاكِ فقالُوا آمين , قالَ بأنّهم سبّوا الصحَابَة وتجرّأوا على النبيّ ودعَا إلى إحراقهِم , قالُوا آمين .. ثمّ دعَاهُم إلى القيامِ للصلاةِ خلفهُ فقَالُوا آمين ..
صارَت لهُ كلمةٌ نافذةٌ وسطَ أهَالِي القريةِ بحُكمِ كونهِ إمامًا , عينّتهُ وِزَارةُ الأوقَافُ , يجيدُ تلكَ الضحكةِ التّي يقُول أنّهَا منهُ صدَقَة ! , رغمَ أنّه من بلدةٍ أخرَى..
لمْ يعرفْ أحدٌ قطْ حقيقةَ أنّه مجبرٌ على كلّ شيء , حتّى خطبه التّي يُلقيهَا تضعُ لهُ الوزارةُ مسودّاتهَا , ربّما القسمُ الأمنيّ بهَا كذلك والتابعُ مباشرةً لأمن الدولة والويلُ لهُ إن حاولَ تجاوز خطّ من خطوطِ خطبته , على الأقلّ سيخسَر مئتَا جنيَه همَا راتبَه ومصدَر إنفاقُه الأساسِي ..
هنَاك اقليّة مسيحيّة في القريَة ولكن من احلهَا منعُوا بعضَ الآيات منَ الإذاعِة نهائيًا في مساجِد القريَة , وكمْ من مرّة وقفَ فيهَا تبدُو الحيرَة واضحة عليه فهوَ يريدُ القراءة بهَا ولكنْ يمنعهُ وجلُه .
كانَ قادمًا من بلدتهِ هذهِ المرّة ليعطِي أحدَ  الدُرُوس بعدَ صلاةِ المغربِ كعادتِه , ولكنْ اغضبهُ أن يرَى بعضَ الخنازير الصغيرَة تتراقص حولَ خنزير كبير في إحدَى الحظائِر بينمَا الأطفَال ينظرُون إلى الخنزير في شغفٍ عبرَ فتحَات سياجٍ الحظيرَة.
شعرَ بالغيظِ الشدّيد , وجود الخنزير ومراقبةُ الأطفَال لهُ كارثةٌ لم يكنْ يجبُ أنْ تـحدَث , كانَت هذهِ هيَ المرّة الأولَى التّي يرَى فيهَا خنزيرًا في أحد الشوارعِ العامّة في البلدَة , ولمْ يكُن هذا معتادًا حتّى لو كانَ داخل حظيرةٍ يحوطهَا سلكٌ شائِك .
لهذَا فعندمَا وصلَ إلى المسجِد ذكّر المصلين بآيَات تحريم لحمْ الخنزِير ثمّ قَال :
- أرَى أنّ البعضَ قدْ استهانُوا بكُم وجلبوا الخنَازير إلى القريةِ , وهذا تعدّ على دينكُم , وقدْ حرّم الله لحمهَا , فكيفَ ماتَتْ فيكُم النخوةُ والتديّن حتّى تتركُوهم يرتعُون آمنين وهمْ يتبَاهُون بخنَازيرِهم دون أن تطردُوهم أو تقتُلوهَا ؟
قالَ أحدُ الشبابِ الجالِس وامارَات الصلاحِ تبدُو على وجهِه :
- حرّم اللهُ لحمَهَا ولمْ يأمر بقتلهَا ولا طرْدِ أهلهَا , حرمّها وتركهَا تحيا , فماذَا تريدُ بالضبْط يا شيخُ يحيى ؟
قالَ الإمامُ في حدّة :
- الخمرُ كذلك محرّمَة , فهلْ نسمحُ بوجُودِهَا ؟ هذَا يعدّ جريمةً كبيرةً في حقّ النفس وحقّ الله !
قالَ الشاب :
- لعنَ الله شاربهَا ولم يحدّد له عقوبَة حتّى أتى أعدلْ حكّام العَالم عمَر , أيضًا لم يأمرُ الرسُول ولا أحدٌ من العلمَاء بإعدامهَا بل أجازوا شربهَا في حالات الضرورة الفقهية , بلْ وأجازوا التدَاوِي بهَا .
لمْ يكمِل الإمَام حديثهُ مع الشَاب , أظهرَ الإستسلام وأخذ يتحدّث بحمَاسة في موضوعٍ آخر , لمْ يلحَظ أحدٌ أنّ عينيهِ تنظرُ إلى الضابِط الجالس بين صفوفهِم وترتسمْ فيهمَا نظرَاتُ خوفٍ من آن لآخر , لقدْ تجَاوز حدودَهُ كثيرًا وقدْ أشارَ لهُ الضابِط بإغلاقِ الموضُوع , بالتأكيد سيكُون هنَاك تحقيقٌ بعدَ أن ينتهِي .
همْ لا يرحمُون , يعرفُ هذَا جيدًا , لعنَ نفسهُ لأنّه تحدّث فِي الأمر , لعنَ عقلهُ لأنّه جعلهُ يثيرُ الموجُودين , ولمْ ينسَ أن يلعَنَ عينيهِ لأنّهمَا من راتَا الخنزير في البدَايَة ..
صدَقَ حدْسُه , لقَدْ حذّرُوه مرارًا وكانَ يطيعُهم ولا يدرِي ما الذّي جعلهُ يطيعُ هوَى نفسهِ هذهِ المرّة , تمّ فصلُه , لنْ يعمَل كخطيبٍ مرّة أخرَى وسيبحثُون عن من يخلفهُ في المسجِد , وسيحرصُون أكثَر على أن يكُون مطيعًا متفتّح العقلِ لا يخرجُ حرف عطفٍ أو جرٍ من فمهِ دونَ إذنهِم .
جعلهُ هذَا نادمًا , جعلهُ يبكِي على أنّه باعَ دينهُ منذ البدَايةِ وجعلهُ طبقًا لأهواءهم , خطأٌ واحِد أضاعَ وظيفته , وظيفتهُ التّي لا يكفِي راتبهَا لإطعامهِ خبزًا ..
كانَ أهل القريةِ غاضبُون , كيفَ يطردُ إمامُهم وشيخهم ؟ لم يكُونوا يعرفُون سبَب تغييره ولكنّهم كانوا يحبونّه , لهذَا كان لهُم إصرارٌ كبيرٌ على أن يعُود , أرسلُوا وفدًا منْهُم إلى منزلهِ في البلدةِ الأخرَى ..
إستضافهُم جيدًا , طلبُوا منهُ العودةُ في إصرار ولكنّ ردّهُ كان قاطعًا :
- لن أخطب بقريةٍ بهَا خنَازير !
كانَ يخشَى بطشَ الأمن ولكنّه كذلك يريدُ الإنتقَام من الخنازير , فبصورةٍ أو بأخرى هي المتسبّبّة في الذّي حدّث .
أدركَ أهلُ القريةِ خطورَة الأمر بعدَ  قولهِ هذَا, كانُوا حائرين , شيخهُم أو الخنازير الموجُودَة في القريَة , هذَا موضوعٌ شائِك جدًا لهذَا فقدْ قررّوا أن يكفّوا عن التفكيرِ في الأمر ..
بدأَت تسُود في عقلهِم فكرة كونِ هذهِ الخنَازيِر شؤمًا وخرابًا , ويجبُ إزاحتهَا عن القريةِ على الأقلّ , وكلمّا همّ أحدهم بفعلِ شيءٍ مّا باغتهُ الأمنُ بقبضةٍ حديديّة .
لمْ تكِد تمرّ شهورٌ قليلاً حتى كانَ يحيَى عاملاً بأجرةِ يومهِ في أحدِ المصانِع بعدَ أن كان إمامًا يوقّرهُ النّاس , وقدْ كانَ ما يلقاهُ في مهنتهِ الجديدة من مهانَة يجعلهُ يلعنُ نفسهُ على تمرّدِه , كانَ ناقمًا جدًا ولكنّه كانَ على إستعدادٍ لأنْ يقُول بأنّ الخنزيرَ هو أرقى كائنَاتِ الوجُود مقابِل أن يعيدُوه إلى عملهِ , فقط يعيدُوه إلى عملِه ..
لم يطُل حالهُ كثيرًا , فقدْ عادَ إلى منزلهِ مرّةً بعدَ يومٍ من العمَلِ المرهِق , ليجدَ سيّارة تقفُ اسفلَه ..
لمْ يكدْ يصلُ إليهَا حتّى هبطَ منهَا شخص , ميّز فيهِ الضابِط الذّي فصلهُ من العمِل , رحّب بهِ والوجلُ يحرقُ أعماقه , مالهُم بهِ ؟ ألمْ ينتهشي الأمرُ وقرّروا فصلَه ؟
قالَ لهُ الضابِط :
- سَنُعيدكَ للعمِل , علَى أن تتحدّث في ذاتِ الأمرِ الذّي فصلتَ لأجلِه !
- عه !
كانَت مفاجأةً مذهلةً له , شعرَ بأنّ هنَاك فخًا في الأمْر , حاول تذكّر لهجتهِ معهُ حينَ طُرِد , ولهجتهُ الآمرة المختلفَة الآن , لهجاتهُ جميعًا كريهَة , شعرَ الضابطُ بحيرتهِ فقَال :
- يقُولون أنّ هنَاك وباءٌ جديدٌ فِي المكسيك , وقدْ إنتقَل إلى الولايات المتحدّة , ينتقلُ عن طريق الخنازير وهو إمتدادٌ لانفلونزا الطيّور , ولكنّه يختلف لأنّه معدٍ بضراوَة بين الآدميين ..
قالَ يحيَى :
- أعوذُ باللهِ من غضبِه
تابَع الضابِط :
- ونحنُ نخشَى أن يصلَ الأمرُ إلى مصرْ , لهذا نريدُ عودتَك ..
لمْ يكُن يحيَى يملكُ القرارَ فِي الرَفض وهو يعرفُ ذلِك , بلْ كان مستعدًا لفعْل أي شيءٍ ليستعيدَ مهنتهُ السابّقَة , عندمَا كان إمامًا تتسابقُ أطفالُ البلدةِ لتقبيلِ يديْه ..
في اليومِ التاليِ كانَ يسيرُ في البلدةِ بعدَ أن عادَ إلى عملهِ بهَا وتوقّفَ فجأة عندمَا رأى حظيرة الخنَازِير مرّة اخرَى , بدَا لهُ أن ذلِك الخنزير الواقفِ وراءَ السيّاجِ ينظرُ إليهِ في وقاحةٍ وشماتَة , كمْ من أيّام مهينةٍ مرّت بسببِ هذهِ الخنَازير , في تحدّ نظرَ لهُ الشيخُ يحيَى وكأنّ الخنزير سيفهمُ نظرته , ثمّ أكملَ طريقهُ إلى المسجِد ..
وعلَى كرسيّه بعدَ صلاةِ المغرِب جلسَ الشيخُ يحيَى , أخذَ في إستقبَال تهانيء الأهالي الفرحينَ بعودتِه والمفتقدِينَ لهُ وأصدقاؤهُ منَ المصلّين , لم يفتهُ وجُودُ الشاب الذي عارضهُ أثناءَ حديثهُ عنْ الخنازير مِنْ قبْل .
قالَ متعمدًا النظرَ إليه :
- لقدْ أظهرَ الله الحقّ , الآن هنَاك مرضٌ جديد يسببّه الخنزير ويهلِك البشَر , هكذَا ظهرَت إفرازات القمامةِ التّي يأكلهَا , وباءٌ أخطرُ من الإيدز نفسـه..
وصمتَ وهوَ يديرُ بصرهُ بينَ المصلّين قبْل أن يعُود ويثبّتهُ في عينيْ الشّاب :
- وهَا قدْ ظهرَ حكم الله , والآن هلْ علمتُم كيفَ ينتصرُ الله لذاتِه ؟ , الخيارُ واضحٌ الآن , الخنازير أم البشَر؟
قالَ أحدُ المصلّين :
- واينَ ظهرَ المرضُ يا مولانَا ؟
قالَ يحيَى :
- فِي المكسيك لأنّهم يعبدُون الموتَى من دونِ الله وفي أمريكَا لأنّها معقلُ لحومِ الخنازير , أعوذُ بالله من غضبِه ..
قالَ الشاب أخيرًا :
- وهلْ هذهِ هيَ أهم أزمَات العلمِ حتّى تتحدّث عنهَا هكذَا وأنتَ الذّي لم تذكر حربَ العراقِ مرّةً واحدَة في خطبِك , ولم تُشر إلى شيءٍ غير حسن معاملةِ الجار , لا بأس بهذَا , لكنْ أن تتجَاهل كل هذهِ القضايَا وتتحدّث عنْ ذلك .. فماذَا تريدُ بالضبْط ؟
قالَ أحدُ كبَار السنّ :
- صهْ يا فتَى , أخبرنَا يا مولانَا ما..
يسعلُ الرجلُ سعالاً عنيفًا قبْل أن يتابِع :
- ما الذي يجبُ ان نفعلهُ لنتّقيِ شرّ هذَا المرَض ؟
قالَ الفتَى متهكمًا :
- ايّ مرضٍ وعِبَرُ الدهرِ كلّهَا بكُم ؟!
- أنتَ عديمُ التربيَة .
قالهَا الإمامُ قبْلَ أن يتابِع دونَ أن ينظرَ إليه :
- الحلّ في ذبحِ الخنَازير لأنّ البشرَ اولَى بالبقَاء ..
عادَ الشابّ يقُول في إصرَار :
- وماذَا عن جنُون البقَر وإنفلونزا الطيور ؟
قالَ الإمام :
- كنتُ أتوقّع منكَ سؤالاً أحمقًا كهذَا , لأنّ هذَا المرض فريد في العدوَى بينَ البشَر .
قالَ الشاب :
- يمكن عزل الخنازير إذن لا ذبحهَا , والعدوَى قد تأتي عن طريق الآدميين لا الخنَازير ..
قالَ الإمامُ في صرَامَة وهوَ يوجّه حديثهُ للمصلّين :
- لا بدّ منْ ذبحِهَا فقدْ يصلْ إليهَا المرَض , وهيَ يخالطِهَا البشَر , قدْ ينقلُون العدوَى ويتفشّى المرضُ في مجتمعنَا ويكونُ طاعونًا يحملُ الهلاكَ للجمِيع , إحذروا يا إخوتي ..
قالهَا ونظرَ في ساعتهِ قبْل أن يقُول :
- ليؤذنّ المؤذنُ للعشاء .
وبعدَ إنقضاء الصلاةِ التي قرأ فيها بآيات تحريم لحم الخنزير , إنصرفوا جميعًا كلّ إلى منزلِه ..
وعلَى مدَارِ الأيّام التاليَة كان الإمامُ يتمَادى أكثرَ وأكثَر , ويذكّر المصلّين بآيات تحرِيم لحمْ الخنَازير ويحرف تفاسيرهَا ليوجبَ قتْلَ هذهِ الحيوانَات ..
وفِي كلّ مرةٍ كانَ الشابّ ينهض ويجَادلهُ ويدافِع عن فكرة القتْل والذبْح ويرفضُ أنّها من الدينِ ويصرّ على ذلك إصرارً كاملاً , وإزداد قلقهُ إزاءَ النبرةِ المتعاليَة عن سوءِ المرضِ وخطورتِه وأخذَ موقفًا رافضًا علنيًا حتّى أن الإمام قال صراحةً ذات مرّة :
- لا أدري كيفَ يتركك رجَال الأمن !
- كما تركُوك !
لم يكُن الشابّ يأبَه للتهديدَات , كان يدافعُ عن مّا يؤمن بهِ في وضُوح , وسيفعلُ هذَا حتّى النفس الأخير في صدرِه , كانَ يتجادلُ كثيرًا معَ اصدِقاءهِ من الشبَاب ويحَاولُ إقناعَهُم بفِكْرَتِه , وقدْ نجحَ في ذلِك العدِيد من المرّات وكسبَ المزيد مِنْ المُعتَرضِين ..
ورغمَ هذَا فقدْ صدرَ قرارُ الذبْح , أصدَرت مصْر قرارًا عامًا بإعدَام كل الخنازير المَوجُودةِ علَى أرضِها , فزعَ الشابّ حينَ بلغهُ الخبَر ..
وفزعَ أكثر حينَ إلتقَى الشيخَ في صلاةِ المغْرِب فوجدهُ يقُول :
- الآن اصدرَ ولاةُ أمرِ المسلمين حُكمَهم بالإعدَام , وطاعتُهمْ واجبَة ..
قالَ الشابّ من وسطِ فزعهِ وقد كرهَ ان يبدُو مارقًا أمامَ كلّ هؤلاءِ المصلّين :
- ليسُوا هم ولاةَ أمورنَا , لا تنطبقُ عليِهم شروطُ الولايَة , ولا يجُوز طاعتهُ في شيءٍ فيه إهدار لوجودِ حيوانٍ كامِل ..
قال الإمَام :
- يُدافِع عن حيوانَاتٍ نَجِسَة , تسبّب المرَض , ويُخالِف أمرَ الله وأمرِ ولاة الأمر , لولاَ صِغَر سنّك يا فتَى لتقدّمت بشكَاوى عديدة من أجلِك , هدَاكَ الله .
قال الشابّ :
- افعَل , ولكنْ أنتَ تحرّف الدين , ليسَ هذَا ما أمرَ بهِ الله وليسُوا هؤلاءِ ولاةَ أمور , أنتَ من تضللّ النّاس , إتقّ الله .
قالَ الإمامُ في غضَب :
- هل جُنِنتَ يا غلام ؟ وهلْ هانَت عليكَ نفسِي لمجرّد قبُولي محادثتَك !؟
إنهالَ الجالسونَ من المصلّينَ لومًا وتقريعًا علَى الشابّ الذّي شعرَ بالقهْرِ من شدّة ما يلقَى من إهَانَات ..
ظلّ صامتًا حتّى وهوَ يرَى أحدَ المصلّينَ يُهرولُ إلَى خارِج المسجِد ليعودَ بسكينٍ كبيرٍ يضَعهُ في يدِ الإمَام الذي أخذَ السكّين وخرجَ  والغضبُ يتملّكهُ والمصلّون من خلفِه ..
خرجَ الشابّ وسارَ خلفَهُم حتّى وجدَهُم يتوقّفُون أمَام حظيرةِ الخنازير التّي يمتلكُهَا مسيحيّو القريَة , عندهَا صرَخ :
- ليس هذَا من الديـــــــــــــــــــــــن !!..
لمْ يُعرهُ الإمامُ إهتمامًا و المصلّينَ يحطمّونَ أسوارَ الحظيرَة , ويُمسكُون بأكبرِ الخنَازير , بدَا الإمَامُ مستمتعًا وهو يستمعُ إلى صراخِ الشابّ ويغمدْ السكّينَ في قلبِ الخنْزِير ..
كانَ بعضُ الأهَالِي قدْ حَذُو حذوَهُ وجلبُوا سيُوفَهَم وسكَاكينَهُم , لهذَا فقد كانَت مجزرةً حقيقيّة لم تبقِ على خنزيرٍ واحدٍ حيّ ..
كانَ الشابّ يصرُخ :
- ليسَ هذَا من الدين ! والله ليس منه ..
ومنْ بعِيد بدَت أشباح أناسٍ يأتُون مهرولِين , كانَ مسيحيّو القريَة قد علمُوا بالمذبحةِ التّي جرَت , جلبُوا ما إستطاعُوا معهُم من أسلحةٍ ومن أشياءٍ ثقيلَة ليدَافعُوا عن بقَايَا ما يمتلكُونَه ..
وسالَت دماءٌ بشريّة جديدَة , كانَ الشابّ قدْ جنّ تمامًا بعدَ أن تلقّى ضربة بالسكين في معدَتِه وأخذ  يردّد في صُرَاخ :
- ليس هذَا من الديـــــن !!..ليس هذَا من الديـــــــــــــــــــــــن ..
أخيرًا جاءَت قوّات الأمنِ لتُعيدَ النّاس إلى بيوتِهم وتشْعِرَهُم وكأنّ شيئًا لم يحدُث , تلقّى ضربتين عنيفتين حتّى يكفّ عنْ الصّرَاخ , وضربةً أخرَى جعلتهُ يهروَل بعيدًا وهو يهتِف :
- ليس هذَا من الديـن .. أقسمُ علَى ذلِك ..
إزدَادَ صرَاخهُ وهو يبتعِد ويهروِل خارجًا من القريةِ كلّهَا ..
وعلَى حافّة بركةِ الماءِ المُجَاورةِ للقريَة وقفَ يلهّث , ويتأمّل الدماءَ النازفَة في غزارَة من جرحِه ..
تذكّر مشهدَ الدمَاء منذُ لحظَات  , كم مات ؟ لا أحدَ يُحصِي , والحكُومَة ستقُول أنّ الأمنَ مستّتبّ ..
يلهثُ ويلهثُ ويلهث ..
بعدَ هذَا بساعات وجدَ أهالي القريَة جثتّه عائمَة على سطح تلكَ البركَة التّي يعتبرونَهَا مياهًا ملوثَة , أخرجُوه ودفنُوه وهم يرفعُونَ أيديهَم إلى اللهِ أن يرحمهُ ويتجَاوزُ عن زلاّتِه ..
فيمَا بعد , وبعدَ إحدَى صلوتِ المغرِب أثناءِ درس الشيخ يحيَى قالَ لهُ أحدُ المصلّين :
- أخيرًا بدأت الحكُومَة في إظهَار دينهَا , ما زالَ الإسلام دينُهم رغمَ كلّ شيء ..
وتابعَ في تلذّذ :
- لقدْ دفنُوا اليَوْم مئة وعشرين ألف خنزيرٍ أحياء ..
قالَ الشيخُ وقدْ بهِتْ :
- كمْ ؟
- مائة وعشرون ألفْ .
قالَ الإمام وهو يتغلّب على صدمَتِه :
- دفنُوا أحياء ؟!
قالَ لهُ المصلِّي في إصرار مندهِش  :
- نعَمْ , لماذَا لا تصدّق ؟
طارَ صوابُ الشيخِ وهو ينهَضْ ويردّد :
- ربّاه , ليسَ هذا من الدين في شيء , ليس هذَا من الديـن !...
ردّدها حتّى وهوَ يرَى رجلَ الامن يشيرُ إليهِ بالصمْت , ولكنّه تمَادَى وردّدهَا ورددّهَا .. لم يصلّ العِشَاء , نهضَ و خرَجَ منَ المسجِد ولمْ يعِر اي إهتمامٍ للمخبرينِ اللذين أمسكَا بهِ فورَ خروجِه .. إقتادُوه بينمَا ظلّ هو يردّد إلى الأبد :

- صدّقوني .. ليسَ هذَا من الدين ..
2009
شكرا لتعليقك